أين أنا ؟ ولماذا أشعر بذلك الوهن الرهيب ؟؟ يا الهى اشعر أن اعصابى مفككه ولا استطيع حتى أن احرك يدى ..
رأسى ثقيل جدا وجسدى لا اشعر بوجوده , ولا اقوى على فتح عينى اطلاقاً الا مليمترات قليله...
احاول ان اتكلم فأجد ما يمنعنى , شئ عجيب وغريب فى فمى , شئ كبير يمنعنى من اصدار اى صوت , اشعر به يصل الى معدتى ...
احاول ان أفتح عينى ببطء وثُقل شديدين ...
ياترى ماذا حدث؟ واين أنا ؟؟ هل أنا فى الجنه؟؟ , اعتقد انه تفسير منطقى جدا لما استطيع ان التقطه بعينى المجهده المثقله بشئ لا اعرفه , فكل ما حولى لونه ابيض , حتى هؤلاء الاشخاص الذين يتحركون حولى يرتدون الابيض كالملائكه ...
اتحسس جسدى بصعوبه فأجدنى شبه عاريه , اذن فلقد مُت ودخلت الجنه وهؤلاء هم الملائكه
يا الهى احمدك ياربى واشكر فضلك , فقد كان دخول الجنه هو مبتغاى طوال حياتى
هل يعنى ذلك اننى مررت بكل شئ؟؟ الحمد لله انتهى عذاب القبر ومررت على الصراط المستقيم ولم اشعر بشئ ولم أتألم ,, ان دكتور التخدير هذا دكتور ممتاز واذا كنت لا ازال من اهل الدنيا كنت ساشكره بشده ....
كم كانت ترعبنى هذه الاشياء ... ياااااااااااااااااه اشعر أن ثقلاً زال عن قلبى . كم اشعر اننى خفيفه اكاد اطير....
لماذا لازلت استخدم مصطلحات الدنيا ؟؟ فأنا بالفعل فى السماء , فى جنة السماء...
ولكن لماذا هى الجنه مختلفه كثيرا عما كانوا يعدوننا به ؟ اين الاشجار الجميله الوارفه ؟؟ اين الانهار والفاكهه والجبال الخلابه والسماء الصافيه؟ اين حور العين ؟؟ اين هى الجنه التى بها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت؟؟
لماذا جنتى لا يوجد بها سوى اللون الأبيض وبعض الأسِرًه ؟؟ ثم لماذا اعداد أهل الجنه قليله هكذا؟؟ انهم لا يتجاوزون الخمسة اشخاص؟
اسمع همهمات وحديث بلغه غريبه ولا افهم شيئا.. هل هذه لغة أهل الجنه؟
ثم هناك ملاك يرتدى لون ازرق فااتح كلون السماء , ربما هو ملكهم الاعلى ..
كم جميل هذا اللون , كنت لا احبه ابدا فى الدنيا ولكن طالما هو فى الجنه فهو لون رائع...
احاول ان اتحدث مره اخرى ولكن ذلك الشئ السخيف فى فمى يمنعنى بشده .. استغفر الله العظيم , كيف اقول على شئ فى الجنه انه شئ سخيف؟؟ لازلت اتعامل بحسابات وكلمات الدنيا...
لكن لماذا اتنفس بصعوبه شديده هكذا؟
ولماذا اشعر بهذا الوهن؟
- شهد .... شهد ... شهد ...
ينتفض جسدى , هل ينادونى ليحاسبونى مرة اخرى؟؟
هل اكتشفوا خطأ ما سيحاسبونى عليه؟؟ احاول ان انظر لمن ينادينى ...
يا الهى انه رئيس الملائكه ذلك الذى يرتدى اللون الازرق الفاتح
يرتجف جسددى بشده . احاول ان افتح عينى فى تثاقل شديد وانظر الى من يحدثنى ولكنى لا استطيع اطلاقا , استمع اليه وهو ينادى بإسمى كأن صوته يأتى من بئر سحيق ثم يبتعد تدريجيا حتى تلاشى تماما ..
لم اعد اشعر بشى حتى ذلك الشئ السخيف فى فمى ..
يووووووووووووووووه .. استغفر الله العظيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- شهد .... شهد ...
عاد الصوت مره اخرى من بعيد كانه يأتى من اعماق سحيقه ثم بدء فى الوضوح والاقتراب شيئا فشيئا ..
ارتعشت رموشى وتحركت جفونى وعينى لازالت مغمضه.....
ابتلعت لعابى فى صعوبه , فانا اشعر بجفاف غير طبيعى . بالتأكيد سيأتونى بأفضل العصائر والأطعمه فهكذا قالوا لنا فى الدنيا ,, فى الجنه لا نطلب انما نتمنى فقط فنجد مانتمناه قبل ان نفكر فيه ..
احاول ابتلاع لعابى الجاف بصعوبه ... اين الماء؟؟
لقد أخرجوا هذا الشئ من فمى اخيرا....
ربما يعنى ذلك أننى انتقلت لدرجه اعلى من درجات الجنه ..
افتح عينى فى بطء شديد واحاول أن أنظر الى الملاك الذى ينادى بإسمى فلا ارى بجوارى سوى ملاك اخر ولكن بملامح يابانيه .. هل يدخل اليابانيين الجنه ؟؟ الا يعبدون النار او البقر او شئ من هذا القبيل؟
اصمم على فتح عينى فأجد جنتى غريبه جدا ... اسمع اصوات عجيبه وارى أسلاك فى كل مكان , وهناك اسلاك ايضا تخرج من كل انحاء جسدى .
هل انا فى الجنه ام فى جهاز أمن الدوله؟..
انا اعترض ,, ليس هذا ما عملت من اجله فى الدنيا , لو كنت اعلم ان الجنه مختلفه هكذا عمًا كانوا يعدوننا به فى حصص التربيه الدينيه لفعلت كل شئ اردته وامتنعت عن فعله وقاومت نفسى كى لا تفعله لكى افوز بالجنه فى الأخره....
تتسع عينى ببطء واكاد اميز الاشياء بصعوبه
اسمع صوت خلف الملاك اليابانى ينادى باسمى مره اخرى , ثم يظهر وتتضح ملامحه شيئا فشيئا . احاول أن اتذكر اين رأيت تلك الملامح من قبل ؟؟
يووووه .... انه الطبيب الذى كان يعالجنى فى الدنيا . ما الذى اتى به الى هنا؟ انا لا احب هذا الرجل , الم يعدنا الله ان ندخل الجنه مع من نحب؟؟
بالتأكيد هناك شئ خاطئ .. استعيد وعيى بالتدريج واستطيع ببطء تمييز ماحولى ... اثبت نظرى على الطبيب وهو يمسك بيدى وينظر فى شاشات طبيه بجوارى وخلفى ثم ينظر اليًا ويقول وهو يبتسم :
- حمدا لله على سلامتك يا شهد .. لقد نجحت العمليه بأعجوبه
عبست فى وجهه حيث تتابعت مشاهد كثيره فى رأسى أخرها وانا أُقبل امى قبل دخولى حجرة العمليات ثم اغمضت عينى فى غيظ وغضب ...
اذن فأنا لازلت من أهل الدنيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استلقى على فراشى لا انظر الى شئ فقط عينى معلقه على سقف الحجره ..اجلس وحيده لا افكر فى اى شئ وكأنه ليس لدى حياه سابقه اتذكرها او حياه أتيه افكر فيها ..
استيقظ منتفضه كل فتره بسبب كوابيس مخيفه فيؤلمنى جرحى بشده .. اشعر بذلك الجرح العميق فى صدرى وكأنه لازال مفتوحا , خاصة ان قلبى لايزال متصل من الداخل بجهاز لتنظيم ضربات القلب بالخارج عن طريق سلك معدنى يشق معدتى ,, فى الواقع هما سلكان فأنا اتحسسهما كل دقيقه فى خوف ورعب واشعر بهما داخل جسدى , اشعر برعب وخوف لم اختبره من قبل ,, حتى حينما كان يتم تحضيرى لاجراء هذه الجراحه, حتى وانا ذاهبه لمصير مجهول لم اشعر بذلك الرعب ...
نجحا هذان السلكان فى جعلى لا افكر فى شئ سواهما وكيفية وجودهما بداخلى , يشقوا جلدى ويصلوا الى قلبى وكم يجعلنى ذلك اكثر رعبا وخوفا ,, فكلما افكر كيف شقوا جسدى ونشروا عظام قفصى الصدرى واخرجوا قلبى لمده ثمانى ساعات ثم اعادوه بتلك البساطه مره اخرى الى موضعه اصاب بالجنون والرعب ايضا ...
لاحظت اننى لم اعد افكر فى اى شئ قبل هذه العمليه الجراحيه , بل لا اجد ذكرى لاى حدث فى حياتى كأنما حياتى توقفت او بالأصح بدأت حينما فتحت عينى فوجدتنى لازلت من اهل الدنيا
ارقد فى فراشى مستسلمه جدا , لا اشعر بأى الم كانهم جمدوا مشاعرى واحساسى , حتى حينما يأتى ميعاد الحقنه لا أتألم وأنا اشعر بها تشق جلدى ,, ربما لايزال أثار المخدر فى جسدى ...
لا اتكلم بل لا اقدر على الكلام , فقط يعيد عقلى ذلك المشهد الذى توقفت عنده حياتى حينما كانت أمى تبكى وانا ذاهبه الى حجرة العمليات ...
نسيت أن اخبركم بتفاصيل مرضى . لقد اجريت عملية قلب مفتوح دقيقه جدا بسبب اصابتى بعيب خلقى فى عضلة القلب لا يصيب سوى نسبه ضئيله جدا ... ولقد نجحت العمليه بحمد الله بالرغم من ان نسبة نجاحها كادت ان تكون منعدمه ... للأسف نجحت , فقد كنت اعتقدها خلاص جاء من عند الله لينهى حياه لم اشعر يوما أنى احياها
اسمع طرقات على الباب ثم يظهر امامى رجل ... انا اعرف هذا الرجل ....
ينظر لى هذا الرجل بحب وهناك ابتسامه تملاء وجهه فأنظر اليه ببعض الاستغراب ثم أرفع يدى اليمنى فلا اجد بها دبلة الخطوبه...
ااااااااااه .. تذكرت لقد اخذوها منى قبل دخولى غرفة العمليات , وهذا الرجل هو خطيبى .. ابتسمت له فى وهن وضعف , فأتسعت ابتسامته واقترب منى حيث جلس على المقعد المجاور للفراش , وامسك بيدى يقبلها ولكنى تأوهت فلقد أمسك باليد التى بها ابرة المحاليل فتراجع مسرعا وقال فى قلق :
- اسف يا حبيبتى ... حمدا لله على سلامتك
اجبته بضعف متزايد وأغمضت عينى فى ألم كى لا اضطر للحديث معه ..
انا لا اكرهه ولا اقبله كزوج غصبا عن ارادتى , ولكنى ايضا لا احبه , تعرفت عليه ولا اعرف لماذا وافقت حينما تقدم لخطبتى .... ربما أنتظرت ان يغير شيئا فى حياتى او ربما اعتقدت اننى سأحبه وستتحول مشاعر الارتياح بداخلى تجاهه الى حب ..
وافقت على الزواج منه وكم ندمت على ذلك القرار .. انا لا أنكر انه رجل اصيل فهو لم يتركنى حينما علم بحقيقة مرضى واصرً على استمرار الخطبه , ولقد زاد ذلك من حملى فلن استطيع أن أتركه بعد أن وقف الى جوارى فى ازمتى ....
لقد زاد من همى ومقتى لهذه الحياه ... وهاك سبب أخر لأسفى لنجاح هذه العمليه الجراحيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت الأن اكثر من اربعة اشهر على اجرائى لعملية القلب المفتوح وقد تحسنت حالتى الصحيه والحمد لله وأصبحت أفضل بكثير , أصبحت افضل صحيا فقط ولكنى ابدا لم أعد كسابق عهدى ... هناك شئ ما بداخلى تغير لم استطع حتى الأن وضع يدى عليه ومعرفته , هناك ألم لا أعرف مصدره وخوف لم يكن موجودا فأصبح مسيطرا...
ثم هناك خطيبى والذى اصبح عبئا اضافيا فرضته عليًا الحياه ..
ولكن هناك شئُ اخر , شئ اقوى من كل ذلك....
أنه جُرحى الطويل والعميق فى نفس الوقت , الجرح الذى نتج عن اجراء الجراحه , الجرح الذى ارتعش كلما اراه , لدرجة أننى أتحاشى تغيير ملابسى أمام المرآه كى لا تقع عينى عليه وكانه لا يحيا معى ليل نهار ..
هذا الجرح الذى لا استطيع أن المسه أو أقترب باصابعى منه , وأشعر كلما تقع عينى عليه بألم شديد كأنه لازال مفتوحا ... كلما اراه ألعن طبيبى ويزداد كرهى له ...
ذلك الرجل الذى شقً أنوثتى من اسفل الرقبه وحتى منتصف المعده فترك جرحا عميقا يكاد يصل الى قلبى و طويلا ينتهى فى منتصف معدتى بثلاث ندبات ...
كم أكره هذا الطبيب , وكم أتوق الى قتله أو إحداث جُرح مشابه فى صدره ..
أنظر الى جرحى فى ألم وأتساءل , إن كان هذا حالى فما سيكون ردة فعل خطيبى حينما يراه بعد الزواج ؟؟؟
كم شعرت وقتها بأننى امرأه مشوهه ...
وهاك سبب اخر لأسفى على نجاح هذه العمليه الجراحيه
كنت أجلس مع خطيبى فى الصالون مرتديه بلوزه بيضاء مفتوحه من عند العُنق وقد تعمدت ذلك لأرى ردة فعل خطيبى , فهذه الفتحه تُظهر سنتيمترات قليله من بداية جرحى , وبالفعل فلقد أنتبه ولم يستطع أن يخفى فضوله او ان يمنع نفسه من النظر الى بداية الجرح ... شعرت بألم حينما تقلصت ملامح وجهه ولكننى لم انبس ببنت شفه , ثم وبجراءه غير معتاده على الإطلاق فتحت اُولى ازرار البلوزه , فبانت سنتيميترات قليله اخرى من الجرح , وللمره الثانيه لم يستطع ان يدارى تعبيرات وجهه , فسألته بطريقه سافره:
- هل ترغب أن تراه باكمله؟
صُعق من جراءتى وقال فى تردد :
- هل هو كبير الى هذا الحد؟
امسكت بيده فجأه ووضعت اصابعه مكان الندبات الثلاثه من فوق البلوزه وقلت فى ألم :
- هنا ينتهى ....
انتفض من مكانه وحينما ادرك الموقف سحب يده بسرعه ونظر لى فى استنكار ثم بعد بضعه دقائق من الصمت سألنى:
- اليس من المفروض ان هناك تجميل للجرح بعد إجراء الجراحه؟
- المفروض , ولكن للأسف هناك اثر واضح جدا ..
وماهى الا بضعة دقائق حتى استئذن فى الانصراف ,
لقد كان أجبن من ان يواجهنى بما يدور فى رأسه لذلك اتصل بى هاتفيا وتحدث معى فى هذا الموضوع ... قال أنه لا يهتم بهذا الجرح ولا يفرق معه كثيرا فهو يحبنى بشده , ولكن لماذا لا افكر فى اجراء عملية تجميل؟؟ , فلقد اصبحت عمليات التجميل متاحه جدا وسهله جدا , وأنه لا يعترض ان لم اوافق ولكنه كزوج المستقبل يُفضل ذلك , ورجانى كثيرا بأن أفكر جديا فى الموضوع ....
بعد انتهاء المكالمه جلست فى الظلام أفكر فى كلماته , ربما يكون محقا , ومن حقه أيضا أن يطلب ذلك , ولكنى لا اعتقد أننى على استعداد أن أخوض تجربة عمليه جراحيه ثانيه , ثم تذكرت نظرته وملامح وجهه وهو لم يرى سوى جزء بسيط من الجرح ...
ربما هو محق ... ربما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طار خطيبى فرحا حينما اخبرته بموافقتى على اجراء عملية التجميل بل وبذل مجهودا خارقا فى معرفة افضل الأطباء فى هذا المجال , لذلك لم استغرب كثيرا حينما اخبرنى بعدها بايام قليله انه قد قام بجحز كشف لى عند احد الأطباء ...
إنه طبيب فى منتصف الثلاثينيات ولكنه طبيب ممتاز , يقيم بصفه شبه دائمه فى امريكا ولا يأتى مصر سوى عدة ايام كل عدة اشهر , فى الحقيقه لم تكن تفرق كثيرا ولم اهتم بمواصفات الطبيب او مدى خبرته فلقد رأيت انه فى كلا الأحوال مصير سأواجهه .
بالفعل ذهبت الى الطبيب وجلست أمامه أجيب على اسئلته الروتينيه ببرود شديد , ثم أعطيته ملف كامل يشرح حالتى الصحيه.. نظر فى الملف بدقه ثم عاد وسالنى:
- ارى ان الوقت مبكر على اجراء هذه الجراحه ثم اكمل فى تردد :
- هل تعلمين أن هناك احتمالات كبيره أن تجرى جراحة قلب مفتوح ثانيه فى خلال سبع سنوات؟
ابتسمت فى حزن وقلت له:
- نعم اعلم .. ولا اهتم بما سيحدث بعد سبع سنوات او حتى سنه واحده , المهم ان اجرى العمليه فى الوقت الحالى.
- هل تحبين خطيبك لهذه الدرجه؟
قلت له وملامح وجهى محايده جدا :
- هو انسان جيد .. لم يتركنى فى محنتى
حينها التقت عينى بعين الطبيب ولاول مره مباشره , وقتها تغيرت ملامح وجهى تماما وشعرت بالأرتباك والتوتر من نظرة عينيه , فلقد نظر لى نظره غريبه احترت فى تفسيرها اعترفت بينى وبين نفسى أن هذا الرجل له عينان رائعتان ووجه جذاب جدا ...
ظل ينظر مباشرة فى عينى حتى اقتلعتها من نظراته بصعوبه , فأبتسم فى هدوء واشار الى سرير الكشف قائلا:
- تفضلى لأقوم بالكشف عليك ِ
تقدمت بخطوات مرتبكه فنظرات هذا الرجل اخترقتنى ... تمددت على سرير الكشف وقمت بتغطية نفسى بالكامل بتلك الملاءه البيضاء ....
وقف الى جوارى وابتسم ابتسامته العذبه وهو يزيح نصف الملاءه فوجدنى كمان انا بكامل ملابسى .. اتسعت ابتسامته واشار بسماعة الكشف إشاره تعنى أنه يريد أن يرى الجرح .. ابتسمت فى توتر ثم فتحت اول زرارين من قميصى إلا أنه قال بكل ادب :
- من فضلك اريد ان ارى الجرح بالكامل
أومأت براسى بالموافقه , وأخذت فى فك باقى أزرار قميصى الساتان ويدى ترتعشان ولا اعرف سبب هذا الخجل الشديد الذى غرقت فيه بالرغم من اننى مررت بمواقف أصعب من تلك بكثير , ولكنى شعرت بسخونه تخرج من جسدى , ولكن ما أن لامس جرحى بيده حتى اغمضت عينى بقوه وارتجفت كل اجزاء جسدى ..
ربما اشعر بكل ذلك الخجل والإحراج لانه شاب , أو ربما بسبب نظرات عينيه ...
يا الهى كنت أشعر بتلذذ عجيب - استنكرته بشده - من جراء ملامسة اصابعه وهى تتفحص جرحى, اشعر ايضا بقشعريره اجتاحتنى وأخذت افكر فى تلك المشاعر الغريبه عنى كليًا , ولماذا لم اشعر بها اطلاقا حينما يحاول خطيبى ملامستى ....
قطع افكارى الغريبه قائلا :
- حسنا .. لقد انتهيت , تفضلى
تنفست الصعداء حينما تركنى وأغلق ورائه تلك الستاره البيضاء التى تفصل سرير الكشف عن باقى الغرفه ... اغلقت أزرار قميصى وعدًلت من نفسى واتجهت اليه , ولكنى استغربت جدا حينما وجدته يجلس على المقعد المقابل للمقعد الذى كنت اجلس عليه وليس فى مكانه المعتاد على رأس المكتب ,,, مررت بالقرب منه وجلست أمامه و أنا أتحاشى النظر فى عيينه , لكنه قال وهو من ينظر مباشرة فى عينى:
- رأى الطبى : تحتاجين الى اجراء الكثير من الاشعه والتحاليل , وبالطبع لابد أن اتحدث مع الدكتور الذى اجرى لكِ العمليه ..
أمًا رأيى الشخصى فأنا لا افضل ان تجرى عملية تجميل فى هذا الوقت , بل لا افضل ان تجريها على الاطلاق
قلت له وانا اقاوم خجلى من الحديث معه فى ذلك الموضوع :
- كل رجل يفضل أن يرى زوجته فى افضل صوره .
مال الى الأمام حتى اقترب منى بشده , ثم سحب يدى اليمنى بطريقه مفاجئه جعلتنى انتفض , ووضعها على خده الأيسر ,, تسارعت انفاسى , ماذا يفعل ذلك المجنون؟؟
حاولت استعادة يدى ولكن قبضته كانت مسيطره وبقوه .. اغمضت عينى وتصلب جسدى حينما أمسك بأصابعى ومررها ببطء على جانب وجهه الأيسر , فتحت عينى وبدأ جسدى فى الهدوء وأنفاسى فى الأنتظام حينما احسست تحت أصابعى أثار ندبه أو جرح ليس صغير ...
تركت يدى وتجرأت اصابعى فى تحسس ندبته حينما ادار وجهه ليرينى ما أتحسسه ففوجئت بتلك الندبه , وتعجبت كيف لم اراه وهى واضحه ....
تألمت لأجله وتعجبت من كونه دكتور تجميل ويترك هذا الأثر فى وجهه , وكم وددت أن أطبع قبله على تلك الندبه .....
ظلً ممسكا بيدى وهو ينظر فى عينى مباشرة وقال:
- من يرانى من هذا الجانب لا اهتم انه يرانى , بل لا اهتم بوجوده فى حياتى على الاطلاق
ثم أشار الى مكان جرحى واكمل قائلا:
- اذا كان خطيبك يحبك فلن يرى هذا الجرح ... واذا لم يكن يحبك .............
لم يكمل جملته ولكننى فهمت مايقصد ... ثم تابع حديثه قائلا:
- مهما حاولتى ان تدارى جرحك ونجحتى فى ذلك ظاهريا , ستظلى طوال حياتك تنظرين الى مكانه وتخبرين نفسك انه فى يوم من الايام كان هنا جرح كبير ..
اغرورقت عينى بالدموع فكم تمنيت أن يكون خطيبى بهذه الرقه , كم تنيت أن يفكر مثل ذلك الطبيب الرائع , انه محق فى كل كلمه ...
افلت يدى فى نعومه ومسح باصابعه دمعه فرًت دون قصد منى وقال وهو يبتسم ابتسامته العذبه:
- ارجوكِ لا تبكى ... فكرى جيدا .. فكرى فى نفسك ولا تغلقى قلبك على تجربه ما او شخص ما ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظلت كلمات الدكتور تدور فى عقلى بلا توقف لدرجه كادت أن تفقدنى صوابى , ظللت افكر فيه وفى كلماته , وفى عينيه وأُعيد وأُزيد تفاصيل تلك الزياره , وبالفعل قررت ان أعيد التفكير فى مسألة إجراء عملية التجميل ...
قررت أن افكر فى نفسى مثلما يفكر خطيبى فى نفسه , لذلك قررت ان أتوقف فتره عن محادثته أو مقابلته ولأفعل أى شئ جديد ,,,
سأذهب الكوافير , و ساقوم بقص شعرى بطريقه جديده وتغيير لونه وعمل بعض الماسكات , بالتأكيد عمل اى شئ جديد سيخفف من ضغطى النفسى ولو بنسبه قليله
جلست فى الكوافير بعد أن انتهيت من تلوين وتصفيف شعرى واضعه بعض الكريمات على وجهى , ثم ارجعت راسى للوراء منتظره عشرون دقيقه لاقوم بإزالة تلك الكريمات وغسل وجهى ... ولكن جذبت اذنى نبرة صوت شعرت اننى أعرفها بشده . فى البدايه لم اهتم أن أنظر لصاحبة الصوت ولكن حديثها مع رفيقتها جعلنى انتبه جيدا للحوار حيث قالت :
- أنا التى صممت على إكمال الخطوبه , ستظل محتفظه بهذا المعروف طوال حياتها معه وستظل ممتنه له لانها استمر معها وهى مريضه , وبذلك سيستطيع السيطره عليها ,, بالإضافه أنها تمتلك شقه وتلك ميزه كبيره ...
الرفيقه – لكن الحمد لله انكِ استطعتى اقناعه بذلك
صاحبة الصوت : ياااااااااه .. لقد اقنعته بصعوبه بالغه ,, فلقد كان يشعر بالضيق بسبب الجرح الناتج من اجراء العمليه وأنها لن تكون معه كما لو كانت فتاه سليمه ... انتى تعلمين تفكير الشباب .. ولكنى اقنعته ان يجبرها على اجراء عملية تجميل وبالطبع لن ترفض بعد موقفه معها وقت مرضها .....
اصابتنى صدمه عنيفه , ففى البدايه كنت أشك فى صاحبة الصوت ولكنى تيقنت من شخصيتها حينما التفت فى وسط الحوار ونظرت اليها .. شعرت بغضب شديد فقد كانت المتحدثه حماتى المحترمه ...
كم شعرت بالغباء لأننى كنت سأعرض نفسى للخطر من أجل هذا الغبى , وكم احتقرته واحتقرتها وودت لو اصرخ فيها او اقوم واصفعها ولكنى تمالكت اعصابى وضبطت نفسى وانتظرت حتى انتهت من حوارها المقزز عنى , وبعد أن قمت بإزالة الكريم من على وجهى توجهت اليها والأبتسامه تملأ وجهى وقلت لها فى سخريه :
- كيف حالك يا طنط ؟؟ اشكرك جدا لانكِ قد وصفتى لى هذا المكان .. الخدمه هنا ممتازه
ثم استدرت وتركتها وهى فاغره فمها وقد غرقت فى بحر من الدهشه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالرغم من الألم الذى شعرت به الا اننى كنت أشعر أننى اقوى أنسانه فى العالم وتلاشى كليًا احساسى بالذنب او العرفان بالجميل لهذا الشخص المخادع ( بتاع امه ) ثم قررت فجأه قرار ونفذته فى الحال ...
اتصلت بخطيبى وطلبت منه ان نتقابل ونتناول طعام الغذاء سوياً فى احدى المطاعم التى تقع على النيل مباشرة , وهناك جلست أمامه ونظرت اليه وهو يتناول الطعام وشعرت لأول مره بإشمئزاز تجاهه ,
نظرت الى وجهه فوجدت أن أنفه كبيره لدرجه مبالغ فيها وسالت نفسى كيف لم ألتفت الى ذلك الأمر من قبل ؟؟ اين كانت عينى؟؟ وجدت نفسى أتذكر دكتور التجميل وابتسم , فظن هو أننى أبتسم اليه فأبتسم لى وفمه ملئ بالطعام , مما زاد اشمئزازى منه ولكنى قلت له :
- لقد حجزت لك عند دكتور التجميل الاسبوع المقبل ..
توقف عن تناول الطعام وسألنى فى استغراب :
- لماذا؟
اشرت الى وجهه وقلت :
- انفك لا تعجبنى , كبيره الى حد مستفز ,,, ثم أن أرنبة شفتاك تحتاج الى التجميل بشده
هو ( فى استنكار ) : هل اصابك الجنون؟
انا ( ببرود ) : لماذا ؟ وهل كنت مجنون حينما طلبت منى اجراء هذه الجراحه التجميليه؟
هو ( بكل وقاحه ) : الفرق كبير يا انسه بينى وبينك
انا : بالفعل أنت محق , فالفرق بينى وبينك كبير جدا ولكنى للأسف لم اكن اراه لا اعرف لماذا, فلم أكن أحبك مثلا فجعلنى هذا الحب عمياء ,, ولأننى اخيرا رأيت هذا الفرق الشاسع بينى وبينك فأحب أن أخبرك بان خطبتنا منتهيه..
ثم خلعت الدبله من يدى والقيت بها فى مياه النيل وقلت له وانا فى قمة سعادتى :
- كدتُ انسى , اتصل بوالدتك واطمئن عليها فهى تقريبا قد ارتفع ضغط دمها او جاءتها نوبة سكر .
ثم استدرت وتركته هو أيضا فاغراً فمه غارقا هو الأخر فى بحر من الدهشه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت فى احدى المراكز التجاريه أسير مسرعه واحاول أن أحكم قبضتى على جميع الأكياس البلاستيكيه التى فى يدى حينما اصطدمت به فوقع من يدى كل شئ ..... صدرت منى صيحة استنكار شديده ورفعت رأسى لكى ألقى بغضبى على ذلك الأعمى الذى صدمنى , ولكننى ما أن وقعت عينى عليه حتى شعرت بسعاده غامره تجتاحنى , فلقد كان دكتور التجميل , ذلك الوسيم صاحب العيون الجميله والذى أنقذ حياتى ....
التقت عينانا وقد أفصح وجهه هو الأخر عن سعادته لرؤيتى حيث صاح قائلا بفرحه:
- شهد؟ كيف حالك؟ يالها من مفاجأه رائعه
كدت أطير من الفرح وأنا أمد يدى لأصافحه حينما نظر نظره سريعه على كلتا يديا ثم تهللت اساريره حينما لم يجد فى اى منهما اشاره على اننى لازلت مخطوبه , اتسعت ابتسامته اكثر وهو لايزال ممسكا بيدى فى يده وهو يقول بطريقه ساحره :
- كيف حال قلبك ؟؟
تضرج وجهى بحمرة الخجل وشعرت بحراره تخرج من اذنى وأنا اجيبه بإبتسامه عريضه وسعاده غامره فشلت فشلآ ذريعاً فى أن أخفيها :
- قلبى لايزال مفتوحاً