رجال فقدوا قلوبهم : الرجل الاول - ابو هايدى
كانت أول أيامنا في منزلنا الجديد ...الكل مرتبك والكل مشغول في ترتب أغراضه وكلنا مرهقين من عملية نقل الأثاث وترتيب المنزل لذلك كذبت اذنى حينما كنت اسمع ذلك الصوت وتلك الكلمات ... ومما زاد تكذيبي لأذني أننا كنا نسكن فى الدور التاسع والعمارة لم يكن بها أكثر من خمس أو ست عائلات لأنها عماره جديدة ...
في البداية لم أعير للأمر اهتمام وحدثت نفسي بأنه مجرد تغيير مكان ولكنى اكتشفت اننى لم أكن الوحيدة التي تسمع ذلك الصوت ففي جلسه عصارى وجدت اختى و امى يذكرون الموضوع ويؤكدن شكوكى.
.. كان صوت رجل ,,في البداية لم نكن نميز الكلمات ولكن حينما تكرر الموضوع واصبح يلازمنا طوال النهار و الليل بدأنا نركز فى كلماته .. انه صوت حقيقى لرجل أحيانا يصرخ و أحيانا يبكى و أحيانا يقول شِعر و أحيانا أخرى يتلفظ بألفاظ لم اسمعها فى حياتى
... قلنا انه ربما يكون الساكن بالشقه تحت شقتنا وذلك لقوة وقرب الصوت وربما يكون هذا الرجل مريض نفسى ... بعد مرو عدة ايام كان الاسانسير متوقف فى الدور الثامن واغلب الظن انه قد ترك احدهم بابه مفتوح فهبطت على اقدامى لاستقله من الدور الثامن ... وقادنى فضولى لالقى نظره على شقة الرجل الذى سلم جميع من بالمنزل انه مريض نفسى .. وذهلت لاننى وجدت الشقه مهجوره وتحت التشطيب وتاكدت انه لايقطن بها احد... وبعدها عرفت من هى صاحبة الشقه فهى من اكثر العملاء المقربين لى جدا فى عملى وانا على معرفه جيده جدا بها ... اذن من اين ياتى هذا الصوت الذى اصبح تيمه اساسيه فى حياتنا؟؟؟ ... لم اشغل بالى كثيرا لاننى تاكدت ان امى _ هتعرف قرار الموضوع _ وبالفعل توصلت امى لحل لغز هذا الصوت... نسيت ان اخبركم اننا نسكن امام مستشفى حكومى وان البلكونه تطل على الحديقة الخلفيه للمستشفى استغرب جدا من انها بالرغم كونها مستشفى حكومى الا انها حديقة نظيفه جدا ومرتبه جدااا
المهم : اكتشفنا ان هذا الصوت ياتى من مبنى الامراض النفسيه والعصبيه الموجود بالمستشفى والموجود ايضا فى نهاية الحديقه ذهلت لان الصوت ياتينا بهذا النقاء بالرغم من هذا الارتفاع ... ولكن نفسى اطمأنت ان هذا الصوت له اساس وانه موجود بالفعل حيث اصبحت اشك فى شبهة عفاريت
اصبح هذا الرجل جزء من حياتنا اليوميه ... ولان الشقه كلها عالشارع مباشرة فقد كان هو وصوته وكلماته موجودين معنا فى كل انحاء المنزل .. فى المطبخ وغرف النوم والصاله وحتى فى الحمام... فى كل مكااان ... واصبح هذا الرجل يصيبنى بالاحباط والاكتئاااب الشديدين .. كان كلامه كله على امراءه اسمها هايدى ... اوقات يناديها وهو يبكى قائلا (ياهايدى.. تعالى والنبى .. انتى سيبتينى ليه؟؟؟ انا تعبان اوى من غيرك ... ياهايدى محدش واخد باله منى خالص... كلهم مش شايفنى ياهايديييييييي) واوقات اخرى يتغزل فيها واوقااات يغنى لها اغانى رومانسيه جدا جدا استغرب انه يحفظها او حتى يعرفها .. فيغنى لام كلثوم رجعونى عينيك ... ولعبد الوهااب من غير ليه ... وعبد الحليم قولوله... واوقات اخرى يغنى لها اغانى شعبيه مثل العنب والسيجاره البنى وابص لروحى فجاءه ...ثم فجاءة فى بعض الاوقات يلقيها بالالفاظ النابيه يا بنت ال تييييييييييييت .. ياللى ابوكى وامك تيييييييييييييييييييت ... انا هبهدلك بس لما تيجى وترجعيلى .. يا ويا ويا ويا الفاظ فظيعه ومشينه جدا ... وفجاءه يبكى الى حد الصراخ مناديا باسمها ...طوال الليل يناجيها .. هكذا كان هذا الرجل- والذى اطلقت انا عليه ابو هايدى- يبكينا ويضحكنا ويحبطنا
. اكثر الاوقات ضحكت فيها عندما سمعته وهو متجمع مع اصدقائه المرضى ويلقى الشعر وهم يردون عليه كان يقول ( انا بعادك عليه مقدرشى فيردوا هم عليه ويقولون .. مقدرشى مقدرشى مقدرشى .... ولا قادر ابعد عنك يوم واصل .. فيرددون واصل واصل واصل ) وظلوا هكذا حتى اذان الفجر تقريبا ... واكثر الاوقات ايلاما حينما تنتابه الحاله الهيستيريه فيقوم ويكسركل ما امامه ويصرخ صراخات مجنونه ويخبط بيديه بقوه فظيعه على الدواليب الصاج .. ويقول طلعوونى ساعه واحده هايدى هتضيع منى .... واكثر الاوقات التى جعلتنى ابكى واشفق عليه جدا حينما كان يبكى ويقول لها نفسى اشوفك مره واحده ولو دقيقه علشان اقولك انا مش مجنون انا بس بحبك قوى ......
اصبح ابو هايدى شخصيه مشهوره جدا ومعروفه فى العائله وعند اصدقائنا .. فلا يزورنا احد ويسمع صوته إلا ويتسأل : مين اللى بيتكلم ده؟؟؟ ارد واقول :أبو هايدى ... فيتسألوا : ودا حكايته ايه؟؟؟
..الحقيقه اننى لم اتوصل لاصل حكايته ولكن كل شئ وكل احاديثه وكلماته يؤكد حقيقة واحده انه كان يحب امراءه تدعى هايدى اين ذهبت؟؟؟ الله اعلم ... هل ماتت ؟؟؟ هل تركته وهجرته؟؟؟ هل خانته؟؟؟ لم اعرف لكن الواضح جدا انه كان يعشقها لدرجه الجنون
منذ ايام كنت انظر من نافذه حجرتى فوجدت رجل فوق اسطح احد مبانى المستشفى .. كان يرتدى جلباب ابيض وشال ابيض يلفه حول راسه ...كان حائرا وقد اخذ سطح المبنى ذهابا وإيابا عدة مرات وفى كل مره كان ينظر للارض ثم يعود مره اخرى ... لم اعير الامر اى اهتمام فربما كان عامل صيانه او احد العاملين بالمستشفى .. اغلقت النافذه وذهبت الى عملى ... وبعد مرور عدة ايام لم اسمع فيها صوت ابو هايدى اطلاقا وقلت بينى وبين نفسى ربما من كثرة انشغالى لم اعد اركز مع صوته ولكن جاءتنى امى وقالت لى بحزن : مش ابو هايدى مات ..
صعقت وذهلت وردت عليها وانا مصدومه : مات ؟؟ امتى وازاى؟؟
قالت : القى بنفس من فوق احد اسطح المستشفى
واخذت الاسئله تعصف بداخلى .. هل كان ابو هايدى هو نفس الرجل الذى رأيته؟؟؟ هل كان بامكانى أن انقذه ولم افعل ؟؟ وكيف كنت سأعرف وانا لااعرف شكله ولم اراه ولا مره فى حياتى؟؟ حزنت جدا جدا على ابو هايدى وشعرت فراغ من بعده ..فقد كان هذا الرجل يهون عليا ارق الليالى وقلة نومى
حزنت اكثر حينما سمعت عم محمد البواب وهو يقول : وايه يعنى اهو مجنون ومات .. وهو لو كان عايش كان ايه هيتغير ماهو كده كده مجنون
بالنسبه لى ابو هايدى لم يكن مجنونا ... بل كان رجل احب بصدق ... رجل فقد مع حبه قلبه فلم يجد فائده لعقله
ومن الحب ما قتل..
ReplyDeleteالله يرحمه، كتير فى الدنيا دي مجانين لكن برا جدران المستشفى وكتير عاقلين جواها، وكتير بيوصول حد الجنون الل بيتمنو فيه حد يطبطب عليهم وااااااه منو الحب غلبنا كلنا